المساحات الصديقة .. واحة للابتسامات الصغيرة
كل شيء في مديرية منبه؛ مختلف، أزياؤها الجميلة ولهجة أبناءها، وطريقة الزي الشعبي المختلف، عن أبناء صعدة وأهازيجها وعاداتها وتقاليدها، وطريقة عيشها.
في مواجهة لكل تفاصيل وطبيعة حياة هذه المديرية التابعة لمحافظة صعدة بقراها المتناثرة على قمام الجبال وفي شعاب وبطون اوديتها المخيفة بتضاريسها، المرعبة بأصوات القصف لقراها الاهلة بالسكان على الحدود السعودية.
كل شيء هناك يتربص بك، فمن لم تطاله رحى الحرب طاله وباء الكوليرا، فالمديرية صنفت وفق تقارير منظمات دولية وجهات حكومية بانها المديرية الأولى على المستوى اليمني في عدد الحالات المصابة والمشتبهة بمرض الكوليرا.
ومن بين كل ذلك الصخب، بادرت ASADSC في إنشاء مساحات صديقة ضمن مشروع تقديم خدمات عالية الجودة للأطفال المتضررين من الحرب المدعوم من منظمة الطفولة (يونيسف).
مديرية منبه تفتقر لأبسط الخدمات الاساسية، اطفالها محرومين من الكثير من الحقوقً، وازداد سوءاً بعد تعرض بعض مدارسهم لدمار بسبب الحرب وانقطاع المرتبات، وبات البعض منهم خارج اسوار مدارسهم، مهددة حياتهم البعض منهم باحتراف العمالة في التهريب الى القرى السعودية المحاذية لهم، ناهيك عن الكثير من المؤرقات المتربصة بحياة الأطفال في المديريات الحدودية، على رأسها القصف الجوي والصاروخي.
عام البسمة والعودة للمدرسة
لا يخفي صالح سلمان– احد المعلمين والمتطوعين في المساحة الصديقة الثابتة بمدرسة الوحدة التي انشأتها الجمعية بدعم من منظمة الطفولة -يونيسف، مطلع العام 2018م ، قلقه ومخاوفة على أطفال المديرية من تسربهم من التعليم ، وتعرضهم لمختلف الانتهاكات اثناء التحاق البعض منهم بأعمال التهريب والبعض الاخر كان يفضل مساعدة اسرته والانشغال بحياته خارج اسوار المدرسة.
يشير صالح وهو شاب في منتصف العقد الرابع من عمره من ابناء منطقة بطين بمديرية منبه الحدودية، ان فكرة المساحات الصديقة كانت مشروعاً ناجح وبادرة جديدة كانت الجمعية سباقة في مديرية منبه. حيث نجحت المساحات الصديقة في تحويل المدرسة الى بيئة جاذبة للطفل، والمتنفس الوحيد في المديرية.
يؤكد الشاب “صالح” حديثة بان المساحات الصديقة حولت المدارس والمناطق التي تتواجد فيها المساحات الصديقة ، الى مناطق صديقة وبيئة أمنة ومحببة للأطفال ، بالاستشهاد بمدرسة الوحدة في منطقة بطين بمديرية منبه كأحد النماذج لتلك المدارس التي أشأت فيها المساحات الصديقة شهدت اقبالا غير عاديا للطلاب للالتحاق بالمدرسة حيث بلغ عدد الطلب الملتحقين في المدرسة العام الدراسي الجاري 2019 ، (582) طالب وطالبة مسجل وملتزم بالدراسة في المدرسة ، فيما كان عدد الطلاب والطالبات الملتحقين بالمدرسة ذاتها في مطلع العام 2018 ( قبل تنفيذ أنشطة المساحات الصديقة) (365) طالب وطالبة .. بمعنى ان عدد الطلاب الذين عادوا او التحقوا بالمدرسة (217) طالب وطالبة.
يحكي صالح ورفاقه من المنشطين في المساحات الأخرى – الكثير من الحكايات والمواقف التي عايشوها في المساحات الصديقة. مُزجت تفاصيلها ببراءة طفلًا طالته الحرب، وأرقهُ واقعاً مأساوياً حرم فيه من ابسط مقومات الحياة، مُمزوجة بالبراءة والحب والحرب والحرمان.
كل يوم أفضل من اليوم الماضي
في وقت سابق من العام 2019م ، قابل “عران متعب” الذي يعمل متطوع مع الجمعية لمساعدة الأشخاص المتضررين من الحرب، الطفل (ع م) ابن الـ14 ربيعاً ، خلال زيارة روتينية إلى مدرسة الوحدة بمديرية منبه ، ولاحظ أن الطفل بدأ معزولاً ومضطرباً .. يقول عران أن الطفل(ع م)، كان هادئاً جداً وأنه لم يكن يشارك في أي من الأنشطة في المدرسة و لم يكن لديه أي صديق.
ذهب “عران” الى المساحة الصديقة للطفل، التي تنفذها الجمعية وتدعمها منظمة الطفولة –يونيسف، بعزلة بطين مع الطفل (ع م)، حيث توفر المساحة فرص للأطفال للعب والتعلم، والابتكار وقضاء بعض الوقت مع أصدقائهم والمعلمين، ومكان آمن حيث يمكن للأطفال أن يكونوا مثل الأطفال السويين، على الرغم من صعوبات وضعهم.
يقول “عران”: أن الطفل (ع م) كانت مترددا في الذهاب الى المساحة الصديقة للطفل ولكن الأن لا يرغب بالرحيل أبداً.
تعتبر المساحات الصديقة للطفل مدخل مهم للتدخلات الصحية والتعليمية للأطفال، إذ لاحظ المتطوعين، أي سلوكيات تشير إلى الحاجة إلى دعم إضافي، يمكن ان يحال الأطفال إلى الخدمات النفسية أو الصحية او الاجتماعية المناسبة إذا علم المتطوع أن بعض أطفال المنطقة التي توجد بها المساحة هم خارج المدرسة، فإنهم يعملوا على تشجيعهم على العودة الى المدرسة.
في صباح أحد الأيام، لعب أصدقاء الطفل (ع م) ، ورسموا رسوما ، لكن الطفل (ع م) لم يحضر كعادته الى المساحة وتكرر الوضع لمدة أسبوع ، لاحظ عران احد متطوعي المساحة الصديقة الغياب الطويل للطفل (ع م) ، فسأل أصدقائه عن غيابه ، فقالوا انهم شاهدوا الطفل (ع م) يبيع القات في سوق المدينة وانه لا يحضر الى المدرسة ايضا، وفي اليوم التالي ذهب “عران” للبحث عنه ، فعثر عليه يعمل في البيع والشراء في سوق القات .
تمت إدارة حالة الطفل من قبل متطوعي المساحة، ووفرت إدارة المشروع للطفل (150,000) ألف ريال وقام بشراء مجموعة من الأغنام، التي وفرت لأسرة الطفل (ع م) فرصة ومشروع صغير مدر للدخل، ما يسهم في مساعدتهم على تجاوز ظروف الحرب.
كما تم استخراج اثبات الهوية (شهايد الميلاد لعدد 600 طفل (ذكور واناث ) في 6 مساحات صديقة للطفل .
يقول الطفل (ع م) أنه يحب أن يأتي الى المساحات الصديقة للطفل لأنه يقضي وقتا ممتعا مع أصدقائه ويستطيع أن يرسم ويلعب ويتعلم ايضاً.
يقول عران“” أنه يرى تحسنا كبيرا في حالة الطفل (ع م) مقارنة بأيامه الاولى وأنه أكثر نشاطا وأصبح لديه الكثير من الأصدقاء واكتسب العديد من المهارات الحياتية.